الخميس، 8 أغسطس 2019

هذا البيت 5 .. مجهول عظيم !


كان اليوم الخامس في الحرم ...وكدبيب النمل بدأ التعود يدق أرجاء القلب .... تصلي وربما تنسي أن تدعوا ...الجنازات تتابع عليك فلا يرق قلبك كما هي اول جنازة ..... تشتاق للكعبة فتذهب لتنظر إليها ثم هي دقائق وتعود لا تلتهمك الأشواق وتغرسك امام هيبتها كأول يوم .... رويت ظمأك من ماء زمزم فصرت تشربه للحاجة لا للحب ..... ثم أذن مؤذن الحرم للعشاء وصليت وانهيت الصلاة وجلست اذكر فجاء يقول
اخي ممكن تتصدق عليا وتصلي معايا العشاء عشان ملحقتش 
نظرت اليه ..هو مصري بسيط الملامح بسيط الثياب في لسانه ضعف لا يتقن بعض الحروف 
-ماشي حاضر 
لا اعلم كيف علم انني مصري رغم ملامحي التركية الصارخة ..ربما من النظارة ذات الشريط اللاصق التي كسرت مني فلم اجد ما ..ارممها به سوي شريط مستعمل ..فالاتراك لا يرتدون نظارات مكسورة
....علا كل حال فرد سجادة الصلاة وقدمني للإمامة فرفضت وقدمتة و نويتها سنة وكبر


قليلة هي المرات التي يصادف فيها المرئ أمثلة كالتي يرويها الوعاظ ويكون هو بنفسه الراوي ،عندما قدمته للإمامة حدثتني نفسي بٱنه كان علي الا افعل فهيأة الرجل لا توحي بصلاح احكام تلاوته وربما يلحن وربما يخطأ وربما لا يحفظ وربما ولكنه عاجلني واستفتح بقراءة سليمة ثم قرأ ب " أمن الرسول بما أنزل إليه ....." واسترسل 
كانت قراءته عادية لا تدفعك للإنتباه ...لا تجذبك .. ضعف لسانه في الحروف (الدغ) يذهب بتركيزك إلا أن كل هذا كان لا شئ أمام عظمة هذا الرجل !!.... 


امن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ..كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ... وقالو سمعنا
 واطعنا ............غفرانك ربنا .....واليك المصير .....
هنا بدأ صوته يتهدج فظننته يتلعثم وانتبهت 
كررها سمعنا واطعنا ..... غفرانك ربنا ......غفرانك ربنا ...غفرانك ربنا واليك المصير 
هنا أدركت .... أدركت أنه يبكي ...
يبكي ....
انا اعلم ذلك البكاء ....سمعته كثيراً في رمضان خلف الأئمة أصحاب الاصوات التي تأتي بالمصلين لكن بكاء هذا الرجل كان مختلف كان له انين كأنين المرجل يتهدج صوته ويرجف جسده بلا تكلف 
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا ...... ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته علي الذين من قبلنا......ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ...... 
واعف عنا .... واعف عنا ... واعف عنا ... واغفر لنا وارحمنا ....انت مولانا فأنصرنا علي القوم الكافرين

قد انهي الرجل قراءته وما انتهي من بكاءه حتي قام وهدأ رجفه وعاد صوته واستفتح الثانية وقبل ان يقرأ بعد الفاتحة تمنيت ان يطيل في هذه الركعة فقلت يا ليته يقرأ بالطوال لكنه لم يفعل وقرأ ب" اذا جاء نصر الله والفتح" .... بدأها ثم تلعثم ... ثم توقف ....حتي ظننت أنه نسي وهممت برده .... لكنه لم ينسي ... بل تذكر وانا من نسي .... تذكر أنه يصلي في بيت الله الحرام ونسيت .... تذكر وبكي ....
بكي مرة أخري ..وارتجف مرة أخري ولكن هذه المرة كان بكاؤه من " اذا جاء نصر الله والفتح" بكي ...وقد انقضي عمري في ساحات المساجد وبين أكتاف المصلين وما بكيت ولا سمعت من بكي منها ولكنه فعل .... بكي منها كما بكي ابو بكر... الصديق العلم الجبل الأشم 
 هل حاد حادي الارواح بروحه حتي وصل إلي ما وصل إليه الصديق .... هل فعلها هذا المصري البسيط المتلعثم اللسان البسيط الهيئة 
هل يسبق بها من صحت السنتهم وشمخو بهيئاتهم ...هل و هل وهل .... اقولها والله من فوقي عليم.. نعم ... والله لقد سبق ... واحسبه  من المُخلِصين .. المخلَصين الذين لا ينظر لهم اهل الأرض لكنهم والله في السماء نجوم

أكملنا الصلاة وقد الجمتني هيبه الرجل ..واستحييت أن انظر إليه بعد أن سلم ..ثم استغرقتني سحابة من الوجوم من أثر هذه الركعات استفقت منها وقد مضي الرجل .... مضي المجهول العظيم ..هكذا اسميته ... مضي وقد ترك في نفسي أثر لا يُمحي ... أثر تتقازم
امامه هامات وقامات ... لقد علمني انه ما زال في هذه الأمة لله أولياء ..لم تقطع خناجر الفتن حبالهم بالسماء ... ولم تقتلع الدنيا قلوبهم من أرض الأخرة الخضراء ....    
لم احاول ان ابحث عنة بعدها ....وآثرت ان انزل الي صحن الكعبة وأكتب هذه الكلمات امامها ..حتي تظل ذكراه كالطيف اللطيف الأثر مقرونة بنظرات لبيت الله وكعبته ...فأكتب عنه ثم انظر إليها ...ثم اكتب ثم انظر ثم أكتب ..... لعل ما اكتب وما انظر يكون شهادة لي يوم القيامة أني أرجو ان أكون مثله ... هذا المجهول العظيم !!! 

الخميس، 6 ديسمبر 2018

هذا البيت 4/10 تائهات في الحرم


كان اليوم الثالث وكانت الساعة قاربت الثالثة عندما نويت أن أنزل الي صحن الكعبة أطوف بها ...تركت حقيبتي وحذائي واخذت شاحن الهاتف لأستغل وقت الطواف في الشحن .. وبالفعل نزلت وبحثت عن مخرج للكهرباء ' فيشة' وبعد رحلة بحث وجدت ضالتي ووضعت الهاتف وما هي إلا دقائق وعاجلني اذان العصر فجلست قريبا من الهاتف لاصلي ثم انطلق .... أنهينا صلاه العصر ثم صلاة الجنازة التي لم تخل صلاة في الحرم الا واعقبتها وهذا والله خير كثير وتذكرة عظيمة تضاف الي جملة خصائص بيت الله الحرام ، ثم قمت اكمل ما نويت عمله لولا ما رأيت !

امرأه كبيرة تمسك في يدها بهاتف محمول متصل بالشاحن تمشي علي عجل في اضطراب ملحوظ ثم تقف عند مصدر الكهرباء وتضع الشاحن بتلجلج أطاح ببقاقي الشواحن المتصله بالكهرباء ! ... اسرعت لاصلح ما أفسدته وانا اتعجب من فعلها إلا أنني لما اقتربت منها زال عجبي!!
هي الحاجة سهام من لبنان، عجوز صغيرة الجسم شامية الملامح ترتدي جلباب وخمار ابيض وتربط حول رقبتها وشاح برتقالي يتدلي علي ظهرها من الخلف وهذا شكل مألوف في الحرم(التوشح) تفعله الأفواج من البلدان المختلفة لتميز به نفسها في الزحام اذا افترقوا ليسهل علي العين التقاط اللون المميِز للفوج والعودة إليه .... إلا أن هذا الأمر لم يفلح مع الحاجة سهام وضاعت في وسط الزحام بعد أن حال بينها وبين فوجها فوج اندونيسي كبير لم ينه التحامه مع فوجها الا بعد أن ضاع أثرهم ... كانت تحدث نفسها وهي تمسك بالهاتف تنظر إليٓ بنظرات زائغة ثم تعيد النظر إلي الهاتف وتحدث نفسها مرة أخري ... كانت مضطربة بشدة...!
اقتربت منها وسألتها أن اساعدها ومضي وقت حتي فهمت منها ما حدث .... كانت تخبرني بأحداث غير متصلة وغير مرتبة فتحدثني أنها تريد اصلاح الواتس اب بهاتفها ثم أن اولادها الكبار في لبنان لا يجب أن يعلموا انها تاهت حتي لا "يحرقوا الشارع " علي حد قولها ثم عن الفوج الذي فرقها عن مجموعتها ثم عن بنتها "حياة" الصغيرة التي جعلتها تحج بالرغم من معارضة اخوتها ثم تعود للهاتف الاحمق الذي يأبي أن يجري مكالمة لإبنتها 'حياة' وهكذا .... علي كلٍ التقطت منها الهاتف وحاولت أن اصلح الواتس اب لولا أنه كان من نوع الأندرويد الذي ابغضه فعجزت عن اصلاحه وسألتها عن أي ارقام لأحد من الفوج الذي معها أو مشرف الرحلة فأخبرتني بأسي انها ليس معها اي رقم وما اصابني بالاحباط انها لم يكن معها اي شئ استطيع أن اساعدها بالتوصل إليه فليس معاها اسم الفندق ولا اسم المشرف ولم تعطني وصف لاي شئ يصلح أن أتابعه او أسأل عنه بل لم يكن معها جواز سفرها من الاساس !!!
بالطبع لم يكن بوسعي أن اتركها ولكنني كنت حافي القدمين وتركت حذائي في الأعلي فلم أكن أنوي الخروج من الحرم فكان علي أن أذهب واحضره لو اردت مساعدتها وفي نفس الوقت خفت ان اتركها فيضيع أثرها وبالطبع لن اجعلها تصعد معي الي الاعلي ثم تنزل مرة أخري !! .. اخبرتها انني سأعيدها الي الفندق وان تهدأ من روعها ولا تقلق ثم اخذتها الي ناحية احد السلالم الكهربائية واخبرتها الا تترك هذا المكان ابدا حتي اعود اليها ...
انطلقت سريعا لأصعد وأخذ الحذاء وانا افكر ماذا سأفعل وكنت خائف من ان اعود ولا أجدها و تظل تائهة ولا تجد من يساعدها وطوال سيري الذي استغرق ما يقارب الربع ساعة وانا ابحث عن حلول !
عدت الي حيث تركتها ونظرت الي المكان الذي اخبرتها الا تتحرك منه فلم أجدها ! 
، إلا أنني وجدتها بجوار المكان وقد جلست في الارض مغتمة حزينة فأسرعت إليها وحاولت أن اطمأنها واخبرتها انني لن اتركها وان لا تقلق وخرجت بها من الحرم الي الساحة وفي الطريق اخذت اتحدث معها وكانت احيانا لا تجيبني وتحدث نفسها بلهجة لبنانية وتستخدم مفردات جعلتني اضحك كثيراً 
كانت قد أعطت حذائها لرفيقه لها في الفوج وكانت تسير حافية القدمين فقالت
-يا عيب الشوم ، ماشيانه حفيانه مو عارفة انا فين 
وبينما احدثها واحاول إخراجها من فزعها جائني أن أخذ رقم أحد أبنائها في لبنان وارسل له علي الواتس من هاتفي الشخصي لعله يرد ويوصلني الي اي معلومة !.
وبالفعل اخذت هاتفها وسألتها 
-اتصل بمين من عيالك يا حجه
-اتصل بأحمد الصغير ولا تتصل بحدا من للكبار لو عرفو راح يحرقوا الدِنيا... أو لا تتصل بأحمد اتصل بحياة بنتي هي الي سفرتني 
-اخر كلام يا حجة اتصل بأحمد ولا بحياة؟
-اتصل بحياة بنتي هي الي سفرتني وبتحب إِمّا.
بحثت عن رقم حياة في هاتفها والحمد لله وجدته سريعا فنقلته لهاتفي وارسلت اليها علي الواتس رساله صوت ويااااال الحظ !!
كانت متصلة (اونلاين) فأجابتني علي الفور بقلق شديد أنها ستأتي لي برقم المشرف فأستبشرت خيرا وانتظرت ،وفي انتظاري كنت كلما وجدت احد العساكر السعوديين أخبرته بأمرها لعله يساعد إلا أن كل عسكري بزي كان يُحيلني الي عسكري بزي اخر ويقول إنه لا يعلم .....
رن هاتفي بإشعار واتس اب فأسرعت انظر الي الرساله والتي لم تكن من حياة ولكن كانت من مشرف رحلة الحاجة سهام !
تواصلت حياة مع مكتب الرحلات واعطتهم رقمي وارسلوه الي المشرف الذي لم يكلف نفسه بالاتصال ولكن ارسل علي الواتس اب يخبرني ان الحاجة سهام ضاعت منه وليست وحدها التي ضاعت بل ضاع ثلاتة نساء اخريات !!! ويخبرني بإسم وعنوان الفندق وأنه سينتظرها في الفندق !!! 
تعجبت منه كيف يترك الحرم ويعود للفندق بعد ضياع هؤلاء العجائز ولا ينتظر حتي يجدهن ويعيدهن !!! وما زاد ضيقي أن الحاجة سهام كانت قد بلغ بها الإرهاق مبلغه فهي تمشي منذ ما يقارب الساعتين وعندما خرجنا الي خارج الحرم كانت تستحث خطاها لتمشي وكان اقرب مكان تستقل منه تاكسي في الجهة المعاكسة للحرم ! ما يعني ربما اكثر من نصف ساعة أخري من السير علي القدم وهي فعلا لن تستطيع قطع كل هذا الوقت !!
كنا قد وصلنا الي حافة الحرم وعندها كانت هناك سيارة شرطة تقف ... فجائني أن اسألهم المساعدة وان يقوموا بتوصيلها فلما رأتني الحاجة سهام اتحدث الي قائد السيارة ظنت من يأسها أنهم سيقوموا بتوصيلها واسرعت تفتح باب السيارة المجاور للضابط الذي كنت احدثة وما أن فتحت الباب حتي ثارت ثائرته وهم أن يبطش بها فكيف تجرأ علي فتح باب السيارة لولا أن هدأته وقصصت عليه قصتها وكانت بالفعل تبدو منهكة جدا وهو ما جعله يهدأ ويصدق كلامي وأخبرني أن السيارة لا يمكن أن تتحرك لأنها دورية ثابتة ولكنه سيحضر ليموزين (أجرة) لها في هذا المكان الذي لا تدخله سيارات .... وبالفعل جزاه الله خيرا تركنا واختفي لدقائق مرت ببطئ جلست فيها انا والحاجة سهام علي الرصيف ثم جاء بسيارة أجرة يقودها سائق هندي !!!
كنت وقتها حافياً فقد أعطيت الحاجة سهام نعلي لتلبسه وعندما رأيت هذا الأحمق الهندي شعرت بالقلق علي الحاجة سهام اردت أن اركب معها واوصلها لكني لم افعل ويا ليتني ركبت معها! اريت هذا السائق اسم الفندق علي هاتفي وجعلته يصوره بهاتفه وسألته هل تعرف العنوان فهز رأسه وابتسم ابتسامة بلهاء وهو يقول لي "اركب سوا سوا" فقلت له إنني أن اركب وشددت عليه هل يعرف العنوان ام لا فهز رأسه مجددا بكل بلاهة في علامة إيجابية أنه يعرفه! ...
لم اطمئ لهذا الأحمق وطوال طريق عودتي للحرم وانا الوم نفسي علي عدم ذهابي معها واردت أن اطمأن علي وصولها فأرسلت الي المشرف لكنه لم يكن متصل فنويت أن اتصل به عقب صلاة المغرب التي حل وقتها ولم استطع اداء الصلاه في مكاني لاغلاقهم الابواب ووجدت نفسي اسير حتي وصلت إلي دور السطح وصليت في الاعلي .... وطوال الصلاة وانا مشغول بمصير الحاجة سهام !
انتهت الصلاة وههمت بالنزول والعودة لمكاني وبينما أنا ذاهب إذ رن هاتفي علي الخط السعودي! اخرجت الهاتف وما أن اجبت المتصل حتي سمعت صياح سعودي خالص!
- يااا شييخ ... انا ما ادري كيف تسيب المرة في الشارع تطيح،صارلي ساعة ما عارف افهم منها شي ودوامي انتهي وما عارف اروح منها ، يا شيخ حرام عليك انت ما عندك احساس ،يا شيخ .....
طلبت منه أن يهدأ لأفهم وأخبرته أنني لست المسؤل عن رحلتها فقد كان يظن أنني المشرف وأخبرته أنني وجدتها ضالة في الحرم واركبتها سيارة الأجرة ولكن هذا الهندي الأحمق فعل ما كنت اخاف منه ولم يوصلها الي الفندق !! واخبرتة أن يغلق الان وسأخرج له اسم الفندق واتصل به لاخبره به وفعلت واتصلت به وأخبرته... شعرت وقتها بضيق شديد وانني كان عليّ الا اتركها الا بعد أن اوصلها ! واغتممت غما شديدا لولا أنه لم يمض كثيرا حتي دق الهاتف بإشعار من المشرف يرد عليّ أن الحاجة سهام وصلت وارسل لي صوره لها وتسجيل صوتي تدعو لي فيه ... فحمدت الله كثيرا علي رجوعها فقد وقعت في قلبي بمقام جدتي رحمها الله وكانت تشبهها كثيرا وكنت سأغتم كثيراً لو لا قدر الله أصابها سوء فالحمد لله علي لطفه بها حمدا كثيرا.


بعدها بيومين وبعد صلاة العشاء خرجت من الحرم لحاجة لي وتكرر نفس الموقف مع امرأة أخري ولكن هذه المرة كانت مصرية صعيدية تاهت من زوجها وليس معها إلا اسم الفندق وكنت يومها اعاني من إعياء شديد ويكاد صوتي يختفي من "دور البرد" وتمنيت لو لم ألقاها حتي لا اشعر بالذنب لو تركتها ولكن الله كان لطيفاً بي وبها فقد كنت علمت بعد موقف الحاجة سهام ان هناك كشك للمفقودين لمثل هذه الحالات فسألت عليه ولحسن الحظ كان في الجهة التي نحن بها من الحرم وليس الأخري فذهبت معها إليه وقبل أن نصل بدقائق وجدتها تصيح وهي تنظر الي أحدهم 

اهو .... اهو 
وجدت زوجها واقبل والغضب في عينيه وأخذ يصيح فيها ويعنفها كيف تتركه واين ذهبت وهي ترد عليه انها فجأه لم تجده فيعيد نفس كلامه بنصه وجمله وهي ترد عليه بنفس الردود وكان حديث كوميدي بلهجة صعيدية خالصة ما جعلني أخرج هاتفي لعلي اسجله وفعلت وسجلت جزء صغير معي حتي الان أسمعه واضحك كثيرا .... 


اذكر انني تلقيت اتصالا من الحاجة سهام بعد الحج بفترة وكنت يومها اعمل في مشروع مدينة العالمين وتركتهم في الموقع وذهبت إلي شاطئ البحر المجاور انظر اليه كما هي عادتي وقتها فقد كنت أشعر بضيق في صدري لا اعلم له سبباً وعندما اجبت علي الرقم الدولي لم اكن اعلم انها هي كل ما اعلمه أن صدري انشرح وتهللت اساريري وهي تدعوا لي بلهجتها اللبنانية التي تأسرني .. وانهيت المكالمة بدعاءها وظللت علي شاطئ البحر ساعة كاملة بعدعا انظر اليه واشهده علي فضل الله عليّ ومنته والحمد لله 



هذا البيت 3/10 ... مكة الحبيبة



كان طريقا طويلاً ...أطول من ان قدرتي الخرافية علي النوم ... فأنا اعتدت في السفرات الطوال أن أضع رأسي عند الركوب فلا ارفعها إلا مع الوصول إلا أن طريق مكة اعجزني نمت وقمت ونمت وقمت ثم لم استطع النوم مرة اخري حتي اقتربنا من الجحفة (رابغ) وهي ميقات أهل مصر والشام ومن جاء من طريقها.
  وصلنا الميقات وكان الوقت ليلاً وإن لليل وطئاً علي القلب لا تجده إلا فيه ... فما ان وصلنا حتي نزلت بي مشاعر الرهبة والإجلال تشعر وكأن هناك اختلاف بين ما اعتدت عليه في كل شئ وبين ما تشعر به الان اصوات الناس خفتت وملامح وجوههم سكنت ولباسهم لم يعد يلفت انتباهك فالجميع قد احرموا .
نزلنا وذهبنا للإغتسال وارتدينا الاحرام ثم نوينا الحج متمتعين وصلينا بالمسجد ثم عدنا لنكمل طريقنا... وكلما اقترب موعد النظر إلي الكعبة  زاد الشوق وتعاظم الحنين ومُلئ القلب من رهبة ومن رغبة وارادت العين أن تمتلئ من نور جلالها وبهاءها

ايا كعبة الرحمن كم عظمت امانينا ..... طواف بين اركانك يقربنا ويحينا 
ويملئ نورك الوهاج أعيننا و ما اعظم ..... جلال البيت بيت الله حادينا (هادينا)
وفي الطريق تسلل ذلك النداء العذب الجميل مجددا لقلوبنا قبل السنتنا  .... لبيك اللهم لبيك ...لبيك لا شريك لك لبيك.. .أن الحمد والنعمة لك والملك ..لا شريك لك.. لبيك اللهم لبيك ... لبيك لا شريك لك لبيك
إن من أوقع ما تجده في قلبك من الحج أن تشعر بهذا النداء ... لا يوازيه عندي شئ ... أي ربي قد جئت بي الي هنا ومننت علي ...أي ربي لبيك .... لبيك احمدك .... لبيك اشكرك .... لبيك لا اجد كلمات تفضي بما في صدري لك .... لبيك يا ربي لبيك 
ومع كل تلبية يسير شريط حياتك قبل الحج امام عينك سقطاتك ذلاتك سوء خلقك انتكاساتك التي لا تحصي عددها ثم تذكر فضل الله عليك بأن اصطفاك وجاء بك الي بيته ليغفر لك ! .... أي ربي كم زاد فضلك وطاب كم عظمت مغفرتك وعفوك ... أي ربي لبيك

امتلئ الباص بأصوات التلبية وامتلئت معة قلوبنا رجاءا في عفو الله وبدأ الباص في التحرك  وخرجنا من الميقات الي السكن  ووضعنا حقاءبنا سريعاً لنتحرك مجدداً الي الحرم الذي كان علي بعد دقائق .
وصلنا 
ثم كان اللقاء وما ادراك ما اللقاء

السبت، 13 أكتوبر 2018

هذا البيت 2/10 .... الرحلة

كانت هذه هي المرة الأولي التي اسافر فيها للحرمين براً، ولم أكن اعلم اي تفاصيل سوي موعد التحرك من منزلي والذي تغير ثلاث 
مرات الي أن استقر علي الواحدة بعد منتصف الليل ... حزمت حقائبي وسلمت علي اهلي ونزلت .

للليل سكون وسكينة تشعر بها إذا ابتعدت عن مخترعات القرن العشرين .. عندما يختفي هدير أجهزة التكييف وضوضاء التيليفزيونات وهواتف المحمول و صخب السيارات وحدة الأضواء الصناعية تجد هذا السكون ولانني اسكن في منطقة هادئة جدا ،بمجرد وصولي الي الشارع شعرت بهذا السكون وهذه السكينة الي حد بعيد و وجدتني ارتل " وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ " واجتاحتني هذه الكلمات علي شدة انطباقها عليّ الان " من كل فج عميق " ! لو انك حفرت خطا يمتد من شاطئ البحر الاحمرالمحاذي لمكة الي منزلي لكان فجاً طويلاً عميقاً ثم ها انا انوي قطعة براً رغم بعده ومشقته وغيري من بلاد ابعد كثيراً سيفعلون مثلي بلا تردد تلبية لأذان إبراهيم وبلاغ رب العلمين لأذانه ...

 عجيب هو أمر هذا الدين وهذا الاستسلام ... انا .. ويا أسفاه ..قضيت ما يقرب من العشر سنوات من عمري اجادل في الملحدين والمشككين وخضت معهم في بحار المادية والمنطقية وكان أكبر ما اجده منهم هو رفضهم للاستسلام لله والانقياد له وقد الهبتني نارهم مع كرهي لها وتأثرت بها فمن لم يكتوي بالنار لم يسلم تلهبها ...ولكم تمنيت لو لم اخض غمار هذا البحر وبقيت سالماً علي شاطئ السلامة واموت علي ما ماتت عليه عجائز نيسابور كما يروي الفخر الرازي ، ولكن لعله البلاء المُذَكِر الحاض علي طلب الثبات حتي الموت .....
وصلت إلي مكان التجمع وتحركنا قبيل الفجر الي ميناء الغردقة بدلا من ميناء سفاجا الذي كان مخطط ان نتحرك منه ومر الطريق سريعا ربما لانني اعتدت عليه رغم طول المسافة  واسرعنا بتأكيد حجز العبارة ثم مكثنا ننتظر موعد تحركها ... كان مكوثنا في الغردقة في انتظار العبارة خبر سعيد بالنسبة لي فأنا أعشق الغردقة وعشت فيها واحدة من أجمل سنوات عمري إن لم تكن اجملهم حيث سلامة النفس والعين والانف والاذن من ضجيج وسرعة وزحام ورائحة العاصمة القاهرة فأسرعت بتفقد الشوارع القريبة و النظر إلي البحر والذهاب الي حلقة السمك التي أحبها وزيارة بعض الأصدقاء والمكوث معهم حتي جاء موعد الركوب فأنطلقت الي الميناء وهناك كان لابد أن تودعك مصر بطريقتها فقام أحد الافاقين ببيع اوراق ادعي أنها مهمة ' الواحدة بخمسة جنية' ، ثم وقف اثنان آخران بيبعان تذاكر فئة ٢٥ جنية علمنا بعدها من ضابط الجوازات أنهم نصابين برتبة موظفين ... ثم بعد طوابير مرهقة ركبنا ولله الحمد والمنة...لم يسبق لي أن ركبت مثل هذه العبارة والتي اخبرونا انها "لنش سريع" وليست عبارة إلا انها من الداخل أوسع واكبر واشد هيبة من الطائرات اعجبتني كثيرا وانتويت أن أشتري واحدة عندما أصبح ملياردير اجوب بها البحار ثم اندهشت عندما اخبروني أن العبارة اضخم واكثر اتساعاً وان علي أن ادخر ملياراتي لعبارة وليس لنش !!!
علي ايةحال لم يدم تمتعي بالركوب سوي دقائق فقد كانت الساعة جاوزت منتصف الليل وكنت مجهدا جدا فغصت في نوم عميق لم استيقظ منة الا مع الوصول الي ميناء "ضبا" بالمملكة .
المملكة العربية السعودية .... هذا القطعة من جزيرة العرب التي اقتطعها أل سعود وحلفائهم من القبائل وباركتها بريطانيا في أعقاب الحرب العالمية الأولي في حفلة تمزيق الامبراطورية العثمانية ثم شاء الله أن يلبس اهلها الحٌلل ويسكنهم في الظٌلل بذهب اسودٍ ما خطر ببال أحدهم يوما أن يشتريه رجلاً بفلس ...فيال فضل الله كم نزل حتي فاض وكثر ،وسأل من بهم نزل اين شكر صاحبي؟! ... فكان الجواب كفران وكانت العاقبة خسران يأتي به بن سلمان ... علي ظهر خيله ورجله من شياطين الإنس يريدون غير وجه الله ..والحديث عن جزيرة العرب واهلها ذو شجون اُفرده يوماً وحده إن مد الله في عمري .

علي كلٍ فكما ودعتنا مصر بلصوصها الموظفين في ميناء الغردقة ... استقبلتنا الجزيرة بأجلاف ضباطها في ميناء ضبا ... ... وللانصاف كان ضابط أو اثنين هم من اساءوا المعاملة ومر الأمر بسلام حتي ركبنا حافلات مكة لنقطع طريقنا الطويل ... طريق الحج !

لبيك اللهم لبيك 

هذا البيت 1/10 ..... عقبات مُيَسرة

قبل أن اشرع في الحديث عن هذه الرحلة أود أن أذكر أنني اقسمت أن أكتب عنها حتي الزم نفسي بتدوين ما حدث فيها ولا اتكاسل كما افعل في أغلب الرحلات ولولا القسم ما اظن أنني كنت سأكتب واترك هذه الكلمات هنا في المدونة حيث لا احد غيري الي ان يأذن الله بنشرها . 
بدأت الرحلة منذ ما يزيد عن الاربع سنوات عندما نويت أن احج ولكن لم يكن معي من المال ما يغطي نفقة الحج الطبيعي إلا أنني علمت أن هناك ما يسمي بحج العمالة وهم الذين يذهبون في موسم الحج لتغطية الخدمات للحجاج مثل السائقين ومدخلي البيانات والجزارين وغيرها من المهن الموسمية التي تحتاجها السعودية في هذا الوقت ، وعلمت أن تكلفة هذا الحج أقل كثيرا من تكلفة الحج السياحي ونويت أن اشرع في البحث عنه وكان من ضمن إشتراطات هذا الحج أن تكون في البطاقة وجواز السفر مهنتك عامل فقمت بالاستعانة بأحد المتعاملين مع دولاب الدوله الحكومي البيروقراطي وقام بإستخراج البطاقة والباسبور لي دون أن أذهب الي اي مكان مقابل مبلغ من المال (١٤٠٠جنية !) وحاولت منذ وقتها ولمدة ثلاث سنوات أن أقوم بهذا الأمر ولكن في كل عام كنت لا أوفق في اللحاق بركب الحجيج واذكر انني في العام الأول كانت تكلفة هذا الحج لا تتعدي ال ١٢٠٠٠ جنية وكان وقتها مبلغ كبير بالنسبة إلي ما ادخر فحدثتني نفسي أن أمسك ولا ادفع وتأخرت عن اللحاق بالاجراءات اللازمة للحج أسبوع واحد فقط فلم استطع إكمال الإجراءات وتخلفت ... واحسب أن بخلي بالمال وامساكي هذا الاسبوع هو ما حرمني الحج لثلاث سنوات ثم دفعي لأكثر من ضعف هذا المبلغ للحج هذه المرة وكنت علي استعداد أن أدفع اكثر لاكفر عن امساكي وبخلي السابقين. مرت السنوات الثلاثة وجاءت الرابعة تحمل امل كل عام وجاء ابي يخبرني أنه كان يتحدث الي أحد أصدقائه فأخبرة أن الأمر يسير طالما أن جواز السفر مكتوب فيه عامل فسألني ابي ولم يكن يعلم عن جوازي شئ فأخبرته أنه بالفعل عامل وليس مهندس وانني غيرتة لهذا الأمر منذ زمن طويل فأخذ الجواز وأعطاه لصديقة الذي بدوره أعطاه لمندوب الحج وبدأت في الإجراءات في وقت مبكر جدا والتي كانت كثيرة ومشبوهه لم ترق لي خاصة مع شهرة حالات النصب والإحتيال في مثل هذه الأمور ولكنني اكملتها حتي لا يكون توقف الأمر مني فإن تيسر فمن الله وإن توقف فمن الله...وقد كان التيسير، حتي اقتربنا من موعد السفر لأجد المندوب يتصل بي يخبرني أن علي استخراج تصريح للسفر ولم يكن بقي علي السفر الا اسبوع وكان عملي في مدينة العلمين الجديدة واستخراج التصريح يحتاج أن أذهب مبكرا الي التجنيد أي ان مثل هذا التصريح يحتاج الي اجازه يوم او يومين في منتصف الاسبوع حتي استطيع انجازة ،لكنني أجلت الأمر الي نهاية الأسبوع وقت النزول الطبيعي واتكلت علي أن الأمر يسير وسهل انجازة ... ذهبت صباح السبت الي التجنيد لإستخراج التصريح وكانت الصدمة !!!

شهادة التجنيد انتهت صلاحيتها لبلوغي سن ال٢٩ وحتي يتم استخراج التصريح يجب تجديد الشهادة أو الأتيان بقيد عائلي وفي الحالتين يجب استخراج هذا القيد اللعين !! كان موعد سفري هو مساء الإثنين اي بعد غد !!! غادرت مكتب التجنيد وانا اكاد اجن واللعنات تنساب مني علي البيروقراطية والدولة الغبية والحياة والناس أجمعين واتجهت الي السجل المدني لاري ما يمكن عمله وامني نفسي أن يكون الأمر سهل ولكن من داخلي اعلم ان مثل هذه الأمور الحكومية يستحيل أن تتركك مصر الحبيبة دون أن تسومك فيها سوء العذاب وتعلمك قدرك ومكانتك الوضيعة في سلم الإنسانية .. حاولت أن انفض عن رأسي التشاؤم طوال الطريق حتي وصلت لأجد "السايس" في انتظاري يقول لي " خمسة جنية يا باشا" لا اعلم كيف أمسكت عن قتله ولكن ادرت السيارة مرة أخري وركنت بعيدا واسرعت بالدخول والسؤال!. ربما لو أمسك بي"تريبل اتش" ولطمني لطمة جبارة ثم امسك بي " اندرتيكر" وصنع بي حركة انهاءه الشهيرة لما شعرت بما شعرت به والموظف بارد الوجه بارد الحديث بادر الاحساس يقول لي " القيد بياخد اسبوعين عشان يخلص " اسبوعين ازاي دنا عايزة النهاردة! لا يا استاذ ده ممكن ياخد ٢١ يوم كمان عشان الضغط اليومين دول، امتقع وجهي وتحشرجت الكلمات في حلقي واستدرت و بداخلي رغبة جامحة في الصراخ ... وفي البكاء ... وفي الانتحار !! ركبت السيارة ورأسي لا يتوقف عن التفكير فيما أفعله ... اقبح ما يمكن أن تشعر به هو العجز ...أن تشعر أنه لا يمكنك عمل شئ لإنقاذ نفسك ..... كان الجو حارا والعرق يتصبب مني واسير وانا لا اعلم الي اين اذهب ولا اعلم لماذا وقتها تذكرت أمر امساكي وبخلي في المرة الأولى وان عسي أن يكون هذا الذي اجده عقاب عليهما وضاقت نفسي كثيرا بالأمر وظللت هكذا حتي لمع في رأسي الشخص الذي غير لي جواز السفر وأنه ربما يملك حلول فكلمته مباشرة .... إلا ان أقصي ما قدمه لي أنه يستطيع عمله في اسبوع - ١٠ ايام او أن أذهب بنفسي الي العباسية حيث مركز السجل المدني ولا يظن أيضا حتي مع ذهابي أن أنجزه في اقل من هذا !!! وقتها كل ما فكرت فيه أن أخذ بالاسباب حتي لا يكون توقف الأمر مني أو اكون قعدت وكان هناك ما يمكن عمله وبالفعل ذهبت الي العباسية وكان الوقت تقريبا الواحدة والنصف ظهرا وسألت عن اجراءات القيد العائلي ومدة استخراجه وكان الجواب " اسبوعين يا استاذ" !! اذكر انني وقفت وقتها أمام باب التقديم لا ادري الي اين اذهب ظللت واقفا هكذا بجانب الباب ..... مر وقت لا اعلم ان كان ثواني ام دقائق وانا في مكاني لأجد شخص يبدو من هيئته أنه "حبسجي " او ان جاملته سيكون "ديلر" يقترب من أمين الشرطة الذي كان يقف بجانبي عند باب المكتب ويخبره أنه من طرف فولان ويريد عمل قيد عائلي سريعا لاجد الأمين قد تهللت اساريره بعد أن كان عاقدا حاجبيه عابسا في وجهي ووجه الخلق يجيبه أن يفعل كذا وكذا وكذا سريعا ثم يذهب الي المبني بعد المحكمة للعقيد فولان الذي سيستخرجه له ولكن لا تخبر أحد انني أنا الذي وجهتك إليه !!! عادت الي روحي مرة أخري وتعلقت بهذا الامل الضعيف وظللت اتبع هذا " الحبسجي " حتي وصل إلي مكان العقيد .... كانت الساعة أوشكت علي الثانية ظهرا موعد انتهاء العمل وانا لم يكن معي ايه أوراق انا جئت الي هنا هائما علي وجهي لكنني اردت أن افعل اي شئ يمكن فعله ... وبالفعل دخلت الي الضابط وأخبرته بظروفي فقال لي" تعالي بكره واخدمك أن شاء الله " رغم رغبتي أن انهي الأمر اليوم واستحالة هذا الامر لكن مجرد احياء الامل في صدري كان يكفي .
كلمت امي واخوتي ليجهزوا كل الاوراق المتخيله والغير متخيلة حتي لا افاجئ ب"خازوق" حكومي بيروقراطي يقتلني غدا . واستيقظت باكرا لأكون اول من يقف علي الشباك لكنني اتفقت مع صديقي م فتحي ليذهب معي فكان سبب في تأخرنا ووصلنا في الثامنة لنجد طابور يصعب تخيل أن مثله يمكن أن يحدث لاننا تأخرنا ١٠ دقائق حتي أن رفيقي صدم وأخبرته أن يذهب ليتناول إفطاره ثم يلحق بي لانني كنت رفضت أن افطر معه في السيارة فلم يكن لي اي رغبه في الطعام وكانت بطني تؤلمني من شده القلق فذهب وبقيت في الطابور حتي دلفت الي طابور اخر طويل ايضا يتحكم فيه امين شرطة وقح واميني شرطه ولكن اقل منه رتبه ( ليس لي خبره بدرجاتهم ورتبهم) يتحكمون في الخلق وكأنهم من خلقوهم صياح ونباح وانحطاط وتدني لا مثيل له !. ظللت في هذا الطابور ولحق بي صديقي وانتظرنا دورنا حتي جاء وانهينا الجزء الاول من المطلوبات للقيد وبقي تقديمة في المكان الذي عرفته أمس بالصدفه وبالفعل ذهبنا إليه لاجد امين شرطة جديد لا يقل وقاحة ولا انحطاط عن صاحبه بل زاد عليه سواد في الوجه وانعقاد في الجبين وغلظة في الكلام يقف علي باب المكتب يصد الناس صدا لا يأبه بمن جاء من سفر يرجو قضاء حاجته ولا من عاجله عاجل يرجو التيسير ولا من ضاق به الأمر ويريد التفريج ....لا ينظر إلي شئ غير أنه يسأل من يقترب منه ' انت منين؟ ' من المنوفيه روح سجل المنوفيه من العاشر روح سجل العاشر من طنطا روح سجل في طنطا وهكذا وهو يعلم سهوله قضاء الامر وامكانته هنا ولكنه يعسر عسر الله عليه أمره واضاق عليه عيشه وملئ حياته ضيق وبلاء واخرته عذاب وشقاء اقتربت منه وانا اعلم ما سيقول فتعذرت انني مسافر للحج لعل هذا يكون عنده بسبيل لكنه رد علي هات التأشيرة وانا ادخلك ! وقتها كل اوراقي بما فيهم جواز السفر لم يكن معي بل كانو مع المندوب فتعللت عنده انها ليست معي فعبس في وجهي ومنعني من الدخول حتي آتيه بالجواز فضاق صدري وتراجعت لاتصل بالمندوب ليصور لي التأشيرة ويرسلها لي سريعاَ لكنه لم يرد علي الهاتف !! اتصلت به كثيرا حتي يأست وظل رفيقي يواسيني وانا مازلت اتصل بالمندوب بلا فائدة ! بعدها بنصف ساعة أجابني وهو نائم ثم عاجلني بالكبري ... أن الجواز ليس معه ولكنه في الشركه وسيقوم بالاتصال بهم ثم يبعث لي بالصورة !! ظللت اتصل به بعدها كل ربع ساعة ويخبرني أن الموظف لا يرد عليه وأنه بمجرد أن يرد سيبعث لي فورا كان صديقي أنجز ما جاء لاجله فأخبرته أن يتركني ولا يعطل نفسه لانني لن ابرح هذا المكان حتي أنجز الأمر مهما كلفني فظل معي حتي يأس من الأمر فدعا لي بالتيسير وذهب وانتظرت بعدها طويلا الي أن دق الهاتف برساله علي الواتس اب من المندوب فتحتها في لمح البصر وعدت بها سريعا الي ذاك العابس فنظر إليها وادخلني .... كنت اظن أن بدخولي قد انتهي الأمر لكن ما وجدت أن الأمر قد بدأ لتوه !!.... اخدت ورقة بها رقم حجز وكان بينها وبين الرقم علي نوافذ الموظفين حوالي ٦٠ رقم وكانت الساعة تقترب من الحادية عشر والترقيم يتحرك ببطئ شديد ...انتظرت قرابه الساعة ثم شعرت بالهم الشديد واخذت افكر فيما يمكن فعله فجائني أن استعين بزوج اختي ربما يستطيع أن يأتي لي بواسطة تنجز لي هذا الأمر فكلمته ثم كلمني واعطاني اسم عقيد في مكتب مساعد وزير الداخلية فأسرعت الي مكتبه ويال الحظ العسر وجته يخرج من المكتب في وهن ذاهبا الي المستشفي !!! عدت من حيث اتيت لاجد عشرة ارقام قفط قد تحركت فجلست افكر ماذا افعل فجائني أن ادخل الي العقيد أخبره غير أنني وجدت ضابط اخر غير الذي قابلته أمس وعندما كلمته قال لي ' انت واخد رقم استني دورك' !!! الجدير بالذكر أن خلال العشرة دقائق التي قضيتها في مكتبه ادخل خمس طلبات جاءت له لأن معهم "واسطة" أو لانهم انفسهم واسطة...فكان منهم ضابطين من القوات المسلحة العظيمة وضابط قوات جوية ومعرفة وآخر شرطة …. اما انا فلابد أن أنتظر !!!

عدت مجددا وجلست .. ورن هاتفي … زوج اختي يسألني هل أنهيت الأمر ؟ فأخبرته بما حدث فأغلق ثم كلمني واعطاني اسم ضابط جديد صعدت اليه هذه المرة وكان سليماً معافي و"قشر" لي علي اوراقي وأخبرني أن اعطيها للامين حسام وهو سينجزها لي … ذهبت الي الأمين فأخذا مني الاوراق واخبرني أن اتيه غدا لاستلم القيد فأخبرته أن علي أن انهي القيد اليوم فقال لي لا يمكن إنفاذه في نفس اليوم !!!! اخذت الاوراق وقد اجتاحني اليأس …. ما الذي يمكن أن أفعله لاخرج من هذا الكابوس …. نزلت مجداا الي حيث كنت لاجد رقمي علي نوافذ الموظفين قد اقترب فأخرجت هاتفي وفتحت القرآن واخذت اقرأ …. لم يمر وقت طويل او ربما مر ...حتي اتي دور الرقم الذي قبلي فأسرعت اقف بجانب النافذة كمن قتله الظمأ علي باب بئر وكنت اهيئ نفسي لاستقبال صاعقة جديدة يلقيها علي الموظف فيصرعني بها ويريحني من عناء هذا الكابوس الحكومي !. جاء دوري فدلفت الي النافذة واعطيت الموظف الاوراق رتبها وراجعها ثم وقع عليها وأخبرني أن أذهب الي الشباك المقابل لانهي الإجراءات واطبع فتوجست من هذا الأمر واخذت الاوراق وذهبت الي الشباك المنشود واعطيت الموظف الاوراق فتفحصها وبدأ في الطباعة وانا مازلت متوجس !! انهي الطباعة وقد طبعت نسختين وليس واحدة تحسبا لاي " خوازيق" قادمة واخذت الورقتين والدمغات وبقي الختم من الضابط ! في هذا الوقت كان ج الضابط الذي كلمته امس وأخبرني أنه سيخدمني قد جاء فسلمت عليه وختمت اوراق القيد والحمد لله رب العالمين … اردت ان افرح ولكن علمي أن هناك جهة أخري لا تقل بيروقراطية ولا غباء عن الجهات الحكومية وهي مكتب التجنيد منعني من الفرح !! كانت الساعة قد قاربت الثانية وتجنيد الحلمية يغلق أبوابه في الثالثة فأسرعت وركبت السيارة وانطلقت الي الحلمية وانا ارجو النجاة ولا اعلم مسالكها حتي وصلت . قدمت شهادة الجيش اولا دون أن أبرز القيد العائلي لعله يغفل لكنة العسكري نظر إلي قائلا … دي منتهية لازم قيد عائلي فأخرجت له قيدين وليس واحد فنظر إلي متعجبا وقال انت مسافر امتي ؟! مسافر بكرة ومسافر احج فلازم اطلع التصريح النهاردة طيب استني، اخذ الاوراق ودخل الي مكتب الضابط ( كبير الوحدة) وأخبره بأمري، نظر الضابط اليَ من خلف الزجاج بطرف عينه يتفحصني ثم اخبرة أن يعطيني تصريح مدته سبعة أيام فقط وليس شهرا فعاد الي العسكري واعطاني رقم انتظار دقائق قضيتها متوجساً حتي دلفت الي النافذة ودفعت الرسوم لانتظر طباعة التصريح ….ثم دقائق أخري لإستلام التصريح ..حتي جاء الفتح وقدم الفرج واستلمت التصريح !!! هممت أن اخر ساجدا لولا انني خفت ان يرتاب أحد الضباط فخرجت وانا لا أكاد اصدق نفسي حتي وصلت إلي السيارة فخررت ساجدا لله في الطريق ومن فرحتي نسيت انني سلمت هاتفي علي البوابة فعدت وأخذته …. لا اذكر أنني مررت من قبل في حياتي بيومين مثل هذين اليومين ولا أحب أن أمر مرة أخري بمثلهم … الشعور بالخسارة علي كل النواحي هو شعور قاسي جدا ...أن تشعر انك خسرت مال دفعته ولن يعود اليك ثم خسرت حج وثواب عظيم كنت ستناله ثم تشعر أن الله اذاقك هذا بما كسبت يداك وأنه يعاقبك بهذه الخسارة هو أمر يشق علي أحد أن يتحمله …. ولله در المخلفون الثلاثة كيف ثبتو علي ما ابتلاهم الله به حتي أنزل الله فيهم قرآناً يتلي الي يوم القيامة يخلد عظم ما شعروا به وعظم ثباتهم رغم الفتنة ،مر الأمر ويسر الله المسير إليه بعفوه ورحمته سبحانه هو الودود الذي يتودد الي عبادة رغم ما يلاقيه منهم …. لا أحصي له شكرا ولا اعلم لفضله .حداً …. فاض خيره وطاب … فاض خيره وطاب

الاثنين، 19 فبراير 2018

تحية الي الاسطورة ومن معه .. وبعد 

قبل أن أبدأ حديثي المشوق الرائع وجب عليّ ان أرسل كثير التقدير والإجلال الي كل من شارك في سلسلة إعلانات "ميلودي ..تتحدي الملل" منذ ما يقرب الثماني سنوات علي جميل ابداعهم وعظيم فضلهم واثرهم ، ثم اتبع هذا بسيل من اللعنات المطوّلات الكثيرات علي هذا القدر من الانحطات الذي اورثوه لنا وامثالهم ، حتي وصلنا اليوم مكان تعجز اجمع الكلمات عن وصفه .!

وألان دعنا من ميلودي و لنستمع الي هذا القادم الجديد بعد هذه السنوات .. 
محمد رمضان - الأسطورة- مكتسح الثقافة الشعبية لقطاع كاسح من الشباب ومُصَدِر سمت وهيئة وطريقة كلام واسلوب حياة شريحة المراهقين العريضة في مصر .! 

بكل المقاييس إعلان مكتسح باهر النجاح يستحق إبداء كل الإعجاب ولكن بعد هذا الإبداء سيُتبع حتماً بمثل ما لحق بإعلان ميلودي !

مزيج كارثي من كل عناصر الهلاك في هذا الإعلان .... موسيقي الاضطراب وكلمات التسول والتدني وحركات السكاري و تعابيرالمجرمين وسمت عديمي المروءة ومنعدمي الأخلاق .!
كل هذا وربما اكثر شعر به الكثيرون به ممن مازال عندهم بقايا من اي معني حميد عن الدين والأخلاق ولكن ربما لم يقف الكثيريون علي مشاهد الرجلين الأشيبين والمرأتان العجائز الذين ظهروا في الإعلان وتاها في بحرالدقات المضطربة للموسيقي و تعابير العداء والتوثب في وجة الأسطورة !
إن وجود مثل هؤلاء المسنين الذين اكل علي وجوههم الزمن وشرب في مثل هذا الوضع الممتهَن والممتهِن للكرامة والإحترام له معني ربما اشد إيضاحاً لما وصلنا إليه ، فإن كان محمد رمضان يمثل رسالة الحاضر و رسالة المستقبل فهؤلاء جمعوا لنا رسالة الماضي والحاضر واخبرونا ان المثل القائل " من شب علي شئ شاب عليه " لم يكذب ، فقد قصوا علينا دون ان يتحدثوا قصة ما يقرب من ال 70 عام من رحلة الإنهيار التي وصلنا فيها الي القاع ثم لم نكتفي بالقاع وبدأنا نحفر في الوحل نبغي المزيد !

هذه رسالة ربما ليس لها معني ولكن اتركها هنا بجانب اخواتها لأقرأها لنفسي بعد حين !!

الأحد، 19 يونيو 2016

سراب

امتلئت غرفة تغيير الملابس بسكون قاتل ...سكون لم تتخلله  الا نظرات احمد الحائرة بين أوجه الحاضرين الذين أصطفوا أمامه وقد تعلقت اعينهم به ....... كانت عينيه تدور بينهم لترمقهم بنظرات التساؤل ..... نظرات تمني لو تنتهي بإجابات !!! ..... 
قطع السكون صوت خطوات ابيه الذي تقدم نحوه في هدوء ووقار ....واعطاه زياً رياضياً كالذي يرتديه العدائون في مسابقات العدو 
"خد يا احمد .... من هنا ورايح متقلعوش ... خليك لابسو علي طول انت كبرت خلاص "
عقد احمد حاجبيه في تعجب وهو ينظر الي الزي  ثم يعيد النظر الي والده الذي تجمدت علي وجهه ابتسامه غامضة حاول احمد تفسيرها جاهداً ... الا ان صوت أمه اجتذبة من محاولاته ..
"حبيبي شوف انا بقا جيبتلك ايه ....هلبسهولك بنفسي ... هات رجلك كدة.. بس البس لبس بابا الاول  "
بعد ان ألبسته الزِي انحنت أمه وهي تمسك بحذاء رياضي جديد ألبسته إياه قائله
"هيساعدك قوي يا حبيبي...... ربنا يوفقك " 
ازداد انعقاد حاجبيه واستمرت نظرات الاندهاش وعلامات العجب في اجتياح ملامح وجهه الي ان وقعت عينه عليه !!..... 
كان هادئ الملامح  يتبسم ابتسامه تبعث الطمئنينه والراحه اذا نظرت اليه كما أضفت عليه لحيته البيضاء وزيه الديني مزيد من السكينة التي انتقلت الي قلب احمد مباشرة وهو ينظر اليه في عينيه... ربت الشيخ علي كتف احمد بيسراه وقد أمسك في يمناه حزمة اشرطة بيضاء ناصعة ....

" احمد .... خلي دول معاك ...
مهما حصل ...مهممما حصل حافظ عليهم ... 
دول الي هينجوك يا احمد ... اوعي يضيعو منك... اوعي يا ابني "
وضع الشيخ حزمة الاشرطة في يد احمد ثم أغلق قبضة احمد عليهم وشدد قبضتة وعينيه لم تفارق عينيه
"اوعدني انك هتحافظ عليهم  ....."
أومأ احمد برأسه مستجيباً للشيخ الذي ظل يربت علي كتفه ويحدثه حتي سمع صوت يناديه 
"يلا يا احمد مفيش وقت ..... انت اتأخرت ..." 
اخترق هذا الصوت اذن احمد ليُعيده مرة اخري الي  قلقه و تساؤلاته التي لم يعلم إجاباتها حتي الان ... كان صوت زوجته التي وقفت علي باب الغرفة تشير اليه بالإسراع ممسكة في يدها بعصابةٍ سوداء داكنة ... انتظرته وهوا يتقدم نحوها في خطوات ثقيلة و قد ارتسم الوجوم علي وجهه ....وغممت عينيه بعصابتها السوداء ....
"حبيبي ...
اوعي تشيلها من علي عينك ...
واوعي تقف ...
 احنا ملناش غيرك ... 
اسمع كلامي ... اسمعو طول الطريق " 
وقف الجميع خلف احمد الذي فُتح الباب أمامه وشعر بلفحه ساخنه في وجهه ... لفحة قادمة من صحراء ملتهبة ....  من طريقه القادم الذي لا يراه .... 

************************************
خطا احمد أولي خطواته ببطئ محاولاً استيعاب واقعة الجديد .... وأصواتهم في أذنيه لا تنقطع ....
كان يخطو بصعوبة في هذة الرمال الثقيلة ولم يساعدة حذاء أمه كما اخبرتة ... لم يكن مناسباً أبداً لمثل هذه الرمال ...!
لكنه اكمل سيره .... 
لم يمض طويلاً حتي  بدأت قطرات العرق تسيل علي وجه احمد وتسقط معلنة عن جو ملتهب قاس ....
لكنه اكمل سيره ...!

" احمد انا حامل .... مد شوية "
تردد هذا الصوت في أذنه من بعيد لكنه ميزه ... انها هي .. زوجته .... وعليه ان يستجيب كما أخبرته ....

زاد احمد من سرعة خطواته وبدأت انفاسه في التسارع .....
"مبروك يا احمد .. جالك ولد ..... مد كمان أسرع الولد هيحتاج مصاريف " 
هذه المرة كان الصوت المتردد صوت أمه .... تنصحه وعليه ان يستجيب 
بدأ احمد يهرول مسرعاً خطواته وزاد عرقه وشعر بملابسه تلتصق بجسده النحيل من العرق .... 
وأكمل احمد .....
" ابنك داخل المدرسة.... مد يا احمد ... لازم يخش مدرسة كويسة ... مد يا احمد "
حاول احمد ان يزيد من سرعته لكن الجري علي هذه الرمال كان صعب .... لكنه حاول ...و نجح ...وبدأ يجري وعرقه يتصبب وانفاسه تتلاحق وشعر بقبضته ترتخي ليسقط منها شريطة بيضاء .... 
"اهدا يا احمد ... اهدا ... انت وعدتني انك هتحافظ عليهم ... اهدا "
ميّز احمد صوت الشيخ ... هذه المرة لم يكن هادئً كما اعتاده ... وكان عليه ان يستمع الي كلماته كما وعده.... 
قلل احمد من سرعته وشدد علي قبضته ... وأكمل السير 
" مبروك يا احمد .... جالك بنت زي القمر .... اجري بسرعة بقا انت هديت ليه ؟! "
 زاد احمد من سرعته مجددا .... زاد وهو يشعر انه بحاجة للتوقف .... لكنة اكمل .... 

"احمد انا محتاجين عربية .... انت ليه مهدي .. اجري يا احمد ... اجري " 
كانت هذه أقصي سرعة يستطيع ان يجري احمد بها وهو يشعر بجسده يصرخ من الإعياء .... لكنه اكمل ... وارتخت قبضته ....
وسقطت منها شريطه ... واخري .... واخري ...
"احمد ... حرام عليك نفسك ... اهدا مش ده الي هيوصلك .. اهدا ياحمد " 
" مصاريف دروس العيال يا حمد ... اجري أسرع "
"ربنا مقالكش موت نفسك يبني ... اهدا " 
"عايزين شقة أوسع ... اجري يا احمد "
"الرزق مش فلوس بس قولتلك. صحتك بتروح .. اهدا "
"احمد ..عايزي.........
"احمد"
"احمد"
"احمد يبني رد عليا ... ده الي قولتهولك ... احمد .. احمد "

سقط احمد علي وجهه وتمدد جسده وسط الصحراء الشاسعة ...سقط وقد ارتخت قبضته الخاليه تماماً.. لم يبق بها  شئ......
 حاول ان يستعيد جسده المنهك ويقف... ويري أين هو  ...لكنه فشل ... فالعصابه لاتزال علي عينيه وجسدة عاجز عن النهوض ...

جثا علي ركبتيه وهو يشعر بالرمال الحارقة في وجهه وامتدت يده لتزيل العصابه .... وأزالها ..... ونظر ....

كانت المرة الأولي التي يري فيها مشهد الصحراء الشاسعة بعينيه  منذ ان بدأ رحلته ...وتمني لو لم يفعل ......!
 كان يظن انه علي وشك الوصول ... لقد بذل كل ما يستطيع ليصل ... لكنه لم يصل .... 
أراد العودة .... لكنه لم يجد طريق هذه العودة ... ولم يعرفه
لا عوده ....
"احمد .... كفاية كدة قوم الولاد داخلين الجامعة .... قوم بسرعة ... ولادنا يا احمد " ...
" اهدا يا احمد واسمع كلامي ..لمهم من الارض ..هما حوليك ومتفرطش فيهم ..دول الي هينجوك صدقني " 

شقّت دمعة حارة طريقها بين الجروح و الرمال التي غطت وجه احمد لتسقط في هذه الصحراء الموحشه ...  وتبعتها دمعة اخري ... واخري ...... واجبر احمد جسده المنتهي علي القيام .... وقام ... 
"يلا يا احمد ...."

وخطا خطوة ثقيلة

"أقف لمهم يا احمد ...."

 ... ثم اخري .... 

"بسرعة يا احمد ...." 

ثم مشي ....

" اقف يا احمد ...."

 ثم أسرع  .... 

" اجري يا احمد ..."

ثم سقط ....

***********************************
تمت 
إسلام البدري