السبت، 13 أكتوبر 2018

هذا البيت 1/10 ..... عقبات مُيَسرة

قبل أن اشرع في الحديث عن هذه الرحلة أود أن أذكر أنني اقسمت أن أكتب عنها حتي الزم نفسي بتدوين ما حدث فيها ولا اتكاسل كما افعل في أغلب الرحلات ولولا القسم ما اظن أنني كنت سأكتب واترك هذه الكلمات هنا في المدونة حيث لا احد غيري الي ان يأذن الله بنشرها . 
بدأت الرحلة منذ ما يزيد عن الاربع سنوات عندما نويت أن احج ولكن لم يكن معي من المال ما يغطي نفقة الحج الطبيعي إلا أنني علمت أن هناك ما يسمي بحج العمالة وهم الذين يذهبون في موسم الحج لتغطية الخدمات للحجاج مثل السائقين ومدخلي البيانات والجزارين وغيرها من المهن الموسمية التي تحتاجها السعودية في هذا الوقت ، وعلمت أن تكلفة هذا الحج أقل كثيرا من تكلفة الحج السياحي ونويت أن اشرع في البحث عنه وكان من ضمن إشتراطات هذا الحج أن تكون في البطاقة وجواز السفر مهنتك عامل فقمت بالاستعانة بأحد المتعاملين مع دولاب الدوله الحكومي البيروقراطي وقام بإستخراج البطاقة والباسبور لي دون أن أذهب الي اي مكان مقابل مبلغ من المال (١٤٠٠جنية !) وحاولت منذ وقتها ولمدة ثلاث سنوات أن أقوم بهذا الأمر ولكن في كل عام كنت لا أوفق في اللحاق بركب الحجيج واذكر انني في العام الأول كانت تكلفة هذا الحج لا تتعدي ال ١٢٠٠٠ جنية وكان وقتها مبلغ كبير بالنسبة إلي ما ادخر فحدثتني نفسي أن أمسك ولا ادفع وتأخرت عن اللحاق بالاجراءات اللازمة للحج أسبوع واحد فقط فلم استطع إكمال الإجراءات وتخلفت ... واحسب أن بخلي بالمال وامساكي هذا الاسبوع هو ما حرمني الحج لثلاث سنوات ثم دفعي لأكثر من ضعف هذا المبلغ للحج هذه المرة وكنت علي استعداد أن أدفع اكثر لاكفر عن امساكي وبخلي السابقين. مرت السنوات الثلاثة وجاءت الرابعة تحمل امل كل عام وجاء ابي يخبرني أنه كان يتحدث الي أحد أصدقائه فأخبرة أن الأمر يسير طالما أن جواز السفر مكتوب فيه عامل فسألني ابي ولم يكن يعلم عن جوازي شئ فأخبرته أنه بالفعل عامل وليس مهندس وانني غيرتة لهذا الأمر منذ زمن طويل فأخذ الجواز وأعطاه لصديقة الذي بدوره أعطاه لمندوب الحج وبدأت في الإجراءات في وقت مبكر جدا والتي كانت كثيرة ومشبوهه لم ترق لي خاصة مع شهرة حالات النصب والإحتيال في مثل هذه الأمور ولكنني اكملتها حتي لا يكون توقف الأمر مني فإن تيسر فمن الله وإن توقف فمن الله...وقد كان التيسير، حتي اقتربنا من موعد السفر لأجد المندوب يتصل بي يخبرني أن علي استخراج تصريح للسفر ولم يكن بقي علي السفر الا اسبوع وكان عملي في مدينة العلمين الجديدة واستخراج التصريح يحتاج أن أذهب مبكرا الي التجنيد أي ان مثل هذا التصريح يحتاج الي اجازه يوم او يومين في منتصف الاسبوع حتي استطيع انجازة ،لكنني أجلت الأمر الي نهاية الأسبوع وقت النزول الطبيعي واتكلت علي أن الأمر يسير وسهل انجازة ... ذهبت صباح السبت الي التجنيد لإستخراج التصريح وكانت الصدمة !!!

شهادة التجنيد انتهت صلاحيتها لبلوغي سن ال٢٩ وحتي يتم استخراج التصريح يجب تجديد الشهادة أو الأتيان بقيد عائلي وفي الحالتين يجب استخراج هذا القيد اللعين !! كان موعد سفري هو مساء الإثنين اي بعد غد !!! غادرت مكتب التجنيد وانا اكاد اجن واللعنات تنساب مني علي البيروقراطية والدولة الغبية والحياة والناس أجمعين واتجهت الي السجل المدني لاري ما يمكن عمله وامني نفسي أن يكون الأمر سهل ولكن من داخلي اعلم ان مثل هذه الأمور الحكومية يستحيل أن تتركك مصر الحبيبة دون أن تسومك فيها سوء العذاب وتعلمك قدرك ومكانتك الوضيعة في سلم الإنسانية .. حاولت أن انفض عن رأسي التشاؤم طوال الطريق حتي وصلت لأجد "السايس" في انتظاري يقول لي " خمسة جنية يا باشا" لا اعلم كيف أمسكت عن قتله ولكن ادرت السيارة مرة أخري وركنت بعيدا واسرعت بالدخول والسؤال!. ربما لو أمسك بي"تريبل اتش" ولطمني لطمة جبارة ثم امسك بي " اندرتيكر" وصنع بي حركة انهاءه الشهيرة لما شعرت بما شعرت به والموظف بارد الوجه بارد الحديث بادر الاحساس يقول لي " القيد بياخد اسبوعين عشان يخلص " اسبوعين ازاي دنا عايزة النهاردة! لا يا استاذ ده ممكن ياخد ٢١ يوم كمان عشان الضغط اليومين دول، امتقع وجهي وتحشرجت الكلمات في حلقي واستدرت و بداخلي رغبة جامحة في الصراخ ... وفي البكاء ... وفي الانتحار !! ركبت السيارة ورأسي لا يتوقف عن التفكير فيما أفعله ... اقبح ما يمكن أن تشعر به هو العجز ...أن تشعر أنه لا يمكنك عمل شئ لإنقاذ نفسك ..... كان الجو حارا والعرق يتصبب مني واسير وانا لا اعلم الي اين اذهب ولا اعلم لماذا وقتها تذكرت أمر امساكي وبخلي في المرة الأولى وان عسي أن يكون هذا الذي اجده عقاب عليهما وضاقت نفسي كثيرا بالأمر وظللت هكذا حتي لمع في رأسي الشخص الذي غير لي جواز السفر وأنه ربما يملك حلول فكلمته مباشرة .... إلا ان أقصي ما قدمه لي أنه يستطيع عمله في اسبوع - ١٠ ايام او أن أذهب بنفسي الي العباسية حيث مركز السجل المدني ولا يظن أيضا حتي مع ذهابي أن أنجزه في اقل من هذا !!! وقتها كل ما فكرت فيه أن أخذ بالاسباب حتي لا يكون توقف الأمر مني أو اكون قعدت وكان هناك ما يمكن عمله وبالفعل ذهبت الي العباسية وكان الوقت تقريبا الواحدة والنصف ظهرا وسألت عن اجراءات القيد العائلي ومدة استخراجه وكان الجواب " اسبوعين يا استاذ" !! اذكر انني وقفت وقتها أمام باب التقديم لا ادري الي اين اذهب ظللت واقفا هكذا بجانب الباب ..... مر وقت لا اعلم ان كان ثواني ام دقائق وانا في مكاني لأجد شخص يبدو من هيئته أنه "حبسجي " او ان جاملته سيكون "ديلر" يقترب من أمين الشرطة الذي كان يقف بجانبي عند باب المكتب ويخبره أنه من طرف فولان ويريد عمل قيد عائلي سريعا لاجد الأمين قد تهللت اساريره بعد أن كان عاقدا حاجبيه عابسا في وجهي ووجه الخلق يجيبه أن يفعل كذا وكذا وكذا سريعا ثم يذهب الي المبني بعد المحكمة للعقيد فولان الذي سيستخرجه له ولكن لا تخبر أحد انني أنا الذي وجهتك إليه !!! عادت الي روحي مرة أخري وتعلقت بهذا الامل الضعيف وظللت اتبع هذا " الحبسجي " حتي وصل إلي مكان العقيد .... كانت الساعة أوشكت علي الثانية ظهرا موعد انتهاء العمل وانا لم يكن معي ايه أوراق انا جئت الي هنا هائما علي وجهي لكنني اردت أن افعل اي شئ يمكن فعله ... وبالفعل دخلت الي الضابط وأخبرته بظروفي فقال لي" تعالي بكره واخدمك أن شاء الله " رغم رغبتي أن انهي الأمر اليوم واستحالة هذا الامر لكن مجرد احياء الامل في صدري كان يكفي .
كلمت امي واخوتي ليجهزوا كل الاوراق المتخيله والغير متخيلة حتي لا افاجئ ب"خازوق" حكومي بيروقراطي يقتلني غدا . واستيقظت باكرا لأكون اول من يقف علي الشباك لكنني اتفقت مع صديقي م فتحي ليذهب معي فكان سبب في تأخرنا ووصلنا في الثامنة لنجد طابور يصعب تخيل أن مثله يمكن أن يحدث لاننا تأخرنا ١٠ دقائق حتي أن رفيقي صدم وأخبرته أن يذهب ليتناول إفطاره ثم يلحق بي لانني كنت رفضت أن افطر معه في السيارة فلم يكن لي اي رغبه في الطعام وكانت بطني تؤلمني من شده القلق فذهب وبقيت في الطابور حتي دلفت الي طابور اخر طويل ايضا يتحكم فيه امين شرطة وقح واميني شرطه ولكن اقل منه رتبه ( ليس لي خبره بدرجاتهم ورتبهم) يتحكمون في الخلق وكأنهم من خلقوهم صياح ونباح وانحطاط وتدني لا مثيل له !. ظللت في هذا الطابور ولحق بي صديقي وانتظرنا دورنا حتي جاء وانهينا الجزء الاول من المطلوبات للقيد وبقي تقديمة في المكان الذي عرفته أمس بالصدفه وبالفعل ذهبنا إليه لاجد امين شرطة جديد لا يقل وقاحة ولا انحطاط عن صاحبه بل زاد عليه سواد في الوجه وانعقاد في الجبين وغلظة في الكلام يقف علي باب المكتب يصد الناس صدا لا يأبه بمن جاء من سفر يرجو قضاء حاجته ولا من عاجله عاجل يرجو التيسير ولا من ضاق به الأمر ويريد التفريج ....لا ينظر إلي شئ غير أنه يسأل من يقترب منه ' انت منين؟ ' من المنوفيه روح سجل المنوفيه من العاشر روح سجل العاشر من طنطا روح سجل في طنطا وهكذا وهو يعلم سهوله قضاء الامر وامكانته هنا ولكنه يعسر عسر الله عليه أمره واضاق عليه عيشه وملئ حياته ضيق وبلاء واخرته عذاب وشقاء اقتربت منه وانا اعلم ما سيقول فتعذرت انني مسافر للحج لعل هذا يكون عنده بسبيل لكنه رد علي هات التأشيرة وانا ادخلك ! وقتها كل اوراقي بما فيهم جواز السفر لم يكن معي بل كانو مع المندوب فتعللت عنده انها ليست معي فعبس في وجهي ومنعني من الدخول حتي آتيه بالجواز فضاق صدري وتراجعت لاتصل بالمندوب ليصور لي التأشيرة ويرسلها لي سريعاَ لكنه لم يرد علي الهاتف !! اتصلت به كثيرا حتي يأست وظل رفيقي يواسيني وانا مازلت اتصل بالمندوب بلا فائدة ! بعدها بنصف ساعة أجابني وهو نائم ثم عاجلني بالكبري ... أن الجواز ليس معه ولكنه في الشركه وسيقوم بالاتصال بهم ثم يبعث لي بالصورة !! ظللت اتصل به بعدها كل ربع ساعة ويخبرني أن الموظف لا يرد عليه وأنه بمجرد أن يرد سيبعث لي فورا كان صديقي أنجز ما جاء لاجله فأخبرته أن يتركني ولا يعطل نفسه لانني لن ابرح هذا المكان حتي أنجز الأمر مهما كلفني فظل معي حتي يأس من الأمر فدعا لي بالتيسير وذهب وانتظرت بعدها طويلا الي أن دق الهاتف برساله علي الواتس اب من المندوب فتحتها في لمح البصر وعدت بها سريعا الي ذاك العابس فنظر إليها وادخلني .... كنت اظن أن بدخولي قد انتهي الأمر لكن ما وجدت أن الأمر قد بدأ لتوه !!.... اخدت ورقة بها رقم حجز وكان بينها وبين الرقم علي نوافذ الموظفين حوالي ٦٠ رقم وكانت الساعة تقترب من الحادية عشر والترقيم يتحرك ببطئ شديد ...انتظرت قرابه الساعة ثم شعرت بالهم الشديد واخذت افكر فيما يمكن فعله فجائني أن استعين بزوج اختي ربما يستطيع أن يأتي لي بواسطة تنجز لي هذا الأمر فكلمته ثم كلمني واعطاني اسم عقيد في مكتب مساعد وزير الداخلية فأسرعت الي مكتبه ويال الحظ العسر وجته يخرج من المكتب في وهن ذاهبا الي المستشفي !!! عدت من حيث اتيت لاجد عشرة ارقام قفط قد تحركت فجلست افكر ماذا افعل فجائني أن ادخل الي العقيد أخبره غير أنني وجدت ضابط اخر غير الذي قابلته أمس وعندما كلمته قال لي ' انت واخد رقم استني دورك' !!! الجدير بالذكر أن خلال العشرة دقائق التي قضيتها في مكتبه ادخل خمس طلبات جاءت له لأن معهم "واسطة" أو لانهم انفسهم واسطة...فكان منهم ضابطين من القوات المسلحة العظيمة وضابط قوات جوية ومعرفة وآخر شرطة …. اما انا فلابد أن أنتظر !!!

عدت مجددا وجلست .. ورن هاتفي … زوج اختي يسألني هل أنهيت الأمر ؟ فأخبرته بما حدث فأغلق ثم كلمني واعطاني اسم ضابط جديد صعدت اليه هذه المرة وكان سليماً معافي و"قشر" لي علي اوراقي وأخبرني أن اعطيها للامين حسام وهو سينجزها لي … ذهبت الي الأمين فأخذا مني الاوراق واخبرني أن اتيه غدا لاستلم القيد فأخبرته أن علي أن انهي القيد اليوم فقال لي لا يمكن إنفاذه في نفس اليوم !!!! اخذت الاوراق وقد اجتاحني اليأس …. ما الذي يمكن أن أفعله لاخرج من هذا الكابوس …. نزلت مجداا الي حيث كنت لاجد رقمي علي نوافذ الموظفين قد اقترب فأخرجت هاتفي وفتحت القرآن واخذت اقرأ …. لم يمر وقت طويل او ربما مر ...حتي اتي دور الرقم الذي قبلي فأسرعت اقف بجانب النافذة كمن قتله الظمأ علي باب بئر وكنت اهيئ نفسي لاستقبال صاعقة جديدة يلقيها علي الموظف فيصرعني بها ويريحني من عناء هذا الكابوس الحكومي !. جاء دوري فدلفت الي النافذة واعطيت الموظف الاوراق رتبها وراجعها ثم وقع عليها وأخبرني أن أذهب الي الشباك المقابل لانهي الإجراءات واطبع فتوجست من هذا الأمر واخذت الاوراق وذهبت الي الشباك المنشود واعطيت الموظف الاوراق فتفحصها وبدأ في الطباعة وانا مازلت متوجس !! انهي الطباعة وقد طبعت نسختين وليس واحدة تحسبا لاي " خوازيق" قادمة واخذت الورقتين والدمغات وبقي الختم من الضابط ! في هذا الوقت كان ج الضابط الذي كلمته امس وأخبرني أنه سيخدمني قد جاء فسلمت عليه وختمت اوراق القيد والحمد لله رب العالمين … اردت ان افرح ولكن علمي أن هناك جهة أخري لا تقل بيروقراطية ولا غباء عن الجهات الحكومية وهي مكتب التجنيد منعني من الفرح !! كانت الساعة قد قاربت الثانية وتجنيد الحلمية يغلق أبوابه في الثالثة فأسرعت وركبت السيارة وانطلقت الي الحلمية وانا ارجو النجاة ولا اعلم مسالكها حتي وصلت . قدمت شهادة الجيش اولا دون أن أبرز القيد العائلي لعله يغفل لكنة العسكري نظر إلي قائلا … دي منتهية لازم قيد عائلي فأخرجت له قيدين وليس واحد فنظر إلي متعجبا وقال انت مسافر امتي ؟! مسافر بكرة ومسافر احج فلازم اطلع التصريح النهاردة طيب استني، اخذ الاوراق ودخل الي مكتب الضابط ( كبير الوحدة) وأخبره بأمري، نظر الضابط اليَ من خلف الزجاج بطرف عينه يتفحصني ثم اخبرة أن يعطيني تصريح مدته سبعة أيام فقط وليس شهرا فعاد الي العسكري واعطاني رقم انتظار دقائق قضيتها متوجساً حتي دلفت الي النافذة ودفعت الرسوم لانتظر طباعة التصريح ….ثم دقائق أخري لإستلام التصريح ..حتي جاء الفتح وقدم الفرج واستلمت التصريح !!! هممت أن اخر ساجدا لولا انني خفت ان يرتاب أحد الضباط فخرجت وانا لا أكاد اصدق نفسي حتي وصلت إلي السيارة فخررت ساجدا لله في الطريق ومن فرحتي نسيت انني سلمت هاتفي علي البوابة فعدت وأخذته …. لا اذكر أنني مررت من قبل في حياتي بيومين مثل هذين اليومين ولا أحب أن أمر مرة أخري بمثلهم … الشعور بالخسارة علي كل النواحي هو شعور قاسي جدا ...أن تشعر انك خسرت مال دفعته ولن يعود اليك ثم خسرت حج وثواب عظيم كنت ستناله ثم تشعر أن الله اذاقك هذا بما كسبت يداك وأنه يعاقبك بهذه الخسارة هو أمر يشق علي أحد أن يتحمله …. ولله در المخلفون الثلاثة كيف ثبتو علي ما ابتلاهم الله به حتي أنزل الله فيهم قرآناً يتلي الي يوم القيامة يخلد عظم ما شعروا به وعظم ثباتهم رغم الفتنة ،مر الأمر ويسر الله المسير إليه بعفوه ورحمته سبحانه هو الودود الذي يتودد الي عبادة رغم ما يلاقيه منهم …. لا أحصي له شكرا ولا اعلم لفضله .حداً …. فاض خيره وطاب … فاض خيره وطاب

ليست هناك تعليقات: