الخميس، 29 أكتوبر 2009

جوه دا بتاعنا



تبينت انني اجلس هنا منذ فتره ليست بالقليله هنا في جديقه الازهر عندما نظرت في الساعه
انها الخامسه عصرا لا اعلم كيف مر كل هذا الوقت فمنذ ان وصلت الي هنا وانا انظر , لا الي الازهار الملونه والطبيعه الخضراء الساحره ولكن الي هذه البيوت القديمه القميئه التي تشوه جمال الطبيعه في الحديقه .
بحثت عيناي جاهده عن هذا البيت الاسود الصغير لكن بالتأكيد لم اجده ...اختفي وسط زخم الزحام كما اختفي صاحبه الاسطي منصور وسط الناس..
تابعت السير ولم ابعد عيني عن بيوت الدرب الاحمر ..لطالما بحثت عن نفسي في هذا الدرب لكنني لم اجدها حتي الان. فبين ام صارخه دائما و كومه اطفال يدعونهم اخوتي واب انزلني لاعمل معه كانت هذه اختياراتي وبين بيت قديم اسود و ورشه ابي الصماء وشوارع ضيقه وحواري قذره كانت تجري لحظات حياتي .منذ ان ادركت معني الحياه لم استطع منع نفسي من الهروب مع نفسي كما فعلت اليوم حتي لا يقتلني شعوري بعدم الحياه
..ائتي الي هنا لاحلق لانظر الي واقعي من اعلي لاستنشق نسمات الزهو لاشعر بالاستعلاء علي هذا الواقع اتذكر نظرات الاعجاب التي اجدها في عيون الاثرياء من زبائن الورشه فأفخر بنفسي لكنني اصتدم بحقيقه وجودي دائما في ذيل سلسله هؤلاء القوم الذين اجتمع عندهم كل ما احلم به.
وتذكرت هذه الفتاه الجميله التي جاءت مع والدها الثري عندي في ورشه الارابيسك ليشتروا بعض مشغولاتي الرائعه التي اشتهرت بها وعندما سألت نفسي وانا انظر في عينيها المرسومتين كأبدع ما يكون وانا اقول "يا تري لو اتقدمتلك تقبليني " وقتها وكزني الاسطه منصور وهو يقول "بص علي ادك" لكنني لم ابعد نظري عنها


خطف نظراتي هذا السرب الطائرمن الحمام وهو يعبر امام قرص الشمس المتلألا الذي اخفي الوان كل حمامه في هذا السر ب وصبغهم جميعا بلون اسود يقطع اشعته الذهبيه باجنحته المرفرفه صانعلا ظلالا تحط رحالها علي ارض وجهي الناظر اليه تذكرت نفسي عندما كنت في العاشره اصعد فوق عروق الخشب لاقف اعلي اعشاش الحمام ممسكلا بالعلم الاحمر الوح به فيطير الحمام في السماء ويطير قلبي الصغير فرحا معه فلم تكن الحياه قد حفرت في قلبي خطوطها الصماء بعد.
حطت الحمائم علي اعشاشها فاتصلت اشعه الشمس لا يقطعها قاطع ولم اعد اري في السماء سوي هذ الصقر الذي البسته اشعه الشمس حله ذهبيه تابعته متعجبا فقد اقترب كثيرا من الارض ثم القي بنفسه وسط اغصان احد الاشجار ليحرم نفسه من لونه الذهبي الذ اكتسبه من نور الشمس
لم يسبق لي ان رأيت صقرا يقف قريبا من الارض هكذ ا وشعرت بأنه منتهي لن يطير ثانيه بعد ان خفت بريق عينه وخفض راسه وكأنه مستسلم لوضعه هذا ولا اعلم لماذا احسست ان بيني وبين وهذا الصقر قاسم مشترك
تابعت السير ولم امنع عيني من النظر الي بيوت دربي عندما اخترقت اذني هذه الاصوات

"انا بعشق الحجات القديمه" .......

"وانا كمان"

....انهم زوج من العشاق الجدد يتحدثون عن الاشياء القديمه عندما رأو بيوت الدرب الاحمر المتهالكه وماذا يعرفون عن الاشياء القديمه سوي مشاهدتها من بعيد ..كثيرا ما كانت هذه الكلمات تتردد امامي علي لسان زوار الدرب الاحمر الاثرياء فألعن نفسي واندبها واتسائل لماذا لم اكن مثل هؤلاء الاشخاص الذين يملكون الجديد الثمين فيحبون القديم الرخيص من باب اكتمال حصولهم علي كل شئ حتي الحقير من من يمتلكه المعدمون .
اخذت نفسا عميقا وزرفرته عندما و جدت صوته يتردد في اذني
"يبني الناس دول مش عايشين ..معاهم فلوس اه لكن عمر مفلوسهم تقدر تشتري ربع دحكه ملي بندحكهم"
الاسطه منصور....لطالما كان مبتسما فرحا رغم انه اكثرنا فقرا بكومه الاطفال المعلقه في رقبته ولا يكاد يكفيهم طعاما,
وتتابعت كلماته التي دائما ما تجد مكانا تختفي فيه في عقلي وتخرج وقتما تشاء لاجدني اتذكرها دون ان اشعر
"حد في البهوات بتوعك دول دحك اد مدحكنا لما شمرنا هدومنا في عز المطره ورمينا الواد سيكا في بركه الميه واتظروطنا طين وهوا قاعد يصوت "
فتذكرت منظر سيكا و هو يصرخ بين ايديهم ويقول لأ بخاف ... بخاف يا اسطه بخاف معدتش اقول مبخافش"
فأبتسمت غصبا عني وصوته لم يتركني
"ولا واحنا قاعدين نرازي فبعض علي القهوه وصوتنا بيجلجل من الضحك في الحاره وقشاط الطوله بيرن وانا بغلبكو كلكو ووشوشكو هتولع من الغيظ ولا ولا ولا ..ياض الناس دي منظربس احنا نعملهم حجات يفرحو بيها ندحكهم بخفه دمنا اما من جوه دول خربانين..جوه ده بتاعنا يا مغفل"

دائما ما اردت ان اقول له انني لست مغفلا وادلتي علي ذلك تصرخ في وجهي اناوامي واخوتي المشردين وبيتي الاسود القمئ وحياتي الفقيره وغيرها الكثير لكن ضحكاته واقباله علي الحياه تكون ردا كافيا لادحاض اي دليل مهما بلغت قوته فهو نفسه اكبر دليل علي انني انا المغفل
وبعد اربعه ساعات كستني فيها ظلال اليأس اتت كلمات الاسطه منصور لتصارع يأسي و تحاول اعادتي لحياتي
ومع دبيب كلماته تسللت بعض نسمات الهواء اللطيفه تحمل عبيراحد الازهار التي تنبض بالحياه لتجد مكانها في قلبي...اخذت نفسا عميقا ملات صدري به واتبعته بأخر ثم اخر اتذوق بهذه الانفاس ما استطيع تذوقه من الوان الحياه وانتشيت وانا انظر اليه علي غصن هذه الشجره الخضراء حيث وقف ونظرت اليه في عينه وقد لمعت عيناي بروح الحياه من جديد فنفض عن نفسه روح الانتهاء التي اعطيته اياها ودفعته قدماه وهو يفرد جناحيه يضرب بهم موجات اليأس ليطير قاصدا علاياه التي اعتاد عليها ليعيد الي صورته التي احببته فيها وهو يعبر امام قرص الشمس البرتقالي المتلالا وقد برقت عيناه واكتسي جسده وجناحيه المنبسطان بحلته الذهبيه .
تسارعت خطواتي وصورته تجد مكانها في قلبي الي جانب عبير نسمات الزهور وكلمات صاحب الحياه الاسطي منصور وسرت في جسدي روح الحياه مره اخري بعض ان ظننت انني قد انتهيت.
بدأت الشمس في الغروب بينما كنت قداعدت نظري الي دربي فسرق نظري لونه الاسمر المميز وقت الغروب انه بيتي وجدته من جديد رغم زحام البيوت حوله ومع لحظات توديع الشمس لكبد السماء كنت اقف عند بابه لاجد الرجل مازال مبتسما يقول لي

"مستنيك من ساعه ممشيت" الاسطه منصور قالها وهو يجذبني لحضنه ..حضن ابي