الخميس، 25 نوفمبر 2010

الهديه الاخيره



انقضت دقائق وانا انتظر وصول عربه المترو هنا في محطه مترو الجيزه .....
لم اركب المترو منذ فتره ليست بالقصيره ...داخلتني ذكريات من الماضي القريب نفضتها عن رأسي وانا اعبر بقدمي لادخل عربه المترو التي قد وصلت بالفعل....
غريب هو الزمن ..يغير كل شئ..ولم يسلم المترو من التغير ..فقد اصبح علي ان ادخل من احد البابين في منتصف العربه.....بعد ان كان الباب الاول هو باب الدخول الخاص بي وبها
حاولت ان امنع عقلي من رسم ملامحها الدقيقه الرقيقه المبتسمه دائما وهي تقنعني بمنطقها اللين بأن الباب الاول للحب الاول ....كم كان منطقها يروقني


دخلت العربه وانا ابحث في عقلي عن داعي النسيان لكنه لم يحضر ووقفت بجانب الباب انتظر بدأ التحرك.
لم يكن باب العربه قد اغلق دفتيه بعد عندما اسرعت فتاتين لتدخلا العربه ..إلا ان احداهما كان حظها سيئ وانغلق الباب عليها ...اسرعت انا ورجل اخر ندافع الباب لنحرر الفتاه ....وبالفعل استطاعت ان تمر بسلام واختفت خلف صديقتها ضخمه الجثه متراهله الاجزاء في ركن العربه المقابل للباب بينما ظللت انا بجواره .
و لم تتوقف صديقتها عن الضحك بشكل مستفز..لكنني لم انظر اليها وثبت نظري علي هذه البقعه التي تئاكل طلاء ارضيتها بشكل واضح إلا ان
تذكره المترو سقطت من هذه الفتاه فنزلت في ادعاء كاذب للرشاقه تلتقطها فانتبهت الي وجه الفتاه الاخري ...ولم اصدق عيني...
هل يمكن ان تكون هي.
.ولكن كيف !!!؟؟
اعتصرت الذكريات عقلي وراح يتفحص ملاح الفتاه ليتأكد
إلا انه توقف فجأه عندما استعادت كيس اللحم المكتظ بنيانها لتحجب عني وجه الفتاه دقيقه الملامح قليله الجسد مره اخري
قتلني فضول ممزوج بنكهه ذكريات عطره قفزت الي قلبي وعقلي فأخذت خطوه كدت ان اقع من جراءها علي ظهر احدهم عندما شارفنا علي دخول المحطه التاليه ..لكنني لم اهتم ..كان كل ما يشغلني ..ان اتحقق منها ..وفعلت ..ونظرت اليها طويلا....
ثم ادركت...
إنها ليست "دنيا" حبي الاول والوحيد ولكنها تشبهها الي حد التطابق..إلا ان هذه الفتاه كانت محجبه اما دنيا فلم تكن يوما محجبه .. بل كان شعرها يداعب وجهها في لمسات الربيع الخفيفه ....وكانت منتقبه!
توقف المترو في المحطه وعاود الخروج مره اخري اما انا فقد تثبت عيناي علي وجه الفتاه الغض البشوش وسمعت صوتها وتذكرت دنيا كان صوتها دواء لي وكلماتها دربا امشي عليه ولا احيد اخذت قلبي وعقلي ثم فارقتني وفارقتها.
ومازلت انظر الي صورتها واتذكر عندما شعرت بيد تربت علي كتفي فألتفت لاجد لحيه سوداء كثه يعلوها وجه ناصع البياض تتوسط جبهته بقعه داكنه من اثر السجود وبصوت دافي قال لي صاحب اللحيه
-اتق الله يا اخي
امتلئت ملامحي بالخجل واعدت النظر الي بقعتي المتأكله في الارض.
كم كنت اكره امثال هذا الرجل من اصحاب اللحي الطويله والثياب القصيره ولكنها لم تكن مثلي تكرههم ..بل انها احبتهم..واستمعت الي نداءاتهم واسدلت النقاب علي وجهها وارسلت لي تخبرني بالنهايه الحتميه..كنت اعلم انها تحبني ..وكنت احبها ..بل كنت اقدسها..ولكن الامر لم يدم علي ذلك فقد استيقظت من غفوتي لاجدها بين يوم وليله تنفر من تصرفاتي وطريقه حياتي الي كانت هي معي فيها وجزء منها بدعوي الدين !!!!
اخذت نفسا عميقا وانا اقول في نفسي

- يلا محدش بياخد غير نصيبه

و لم استطع منع نفسي من نظرات مُخَتًلسه متباعده الي صاحبه الوجه الدقيق التي تأهبت مع صديقتها لتغادرعند ابواب المحطه القادمه وتسلل الي ذهني اخر لقاء جمع بيني وبين دنيا هنا في عربه المترو عندما اهدتني هديتها الاخيره التي مازلت محتفظا بها في جيبي حتي هذه اللحظه.. نعم كرهتها وهي تنعي لي خبر فراقنا ...إلا انني لم اعد اكررها ....امتلا قلبي بشجن بارد وانا انظر الي باب العربه الذي انفتح وخرجت منه الفتاه وصاحبتها وانغلق في وجهي كما انغلق من قبل حاولت متابعه الفتاه لالتقط نظره اخيره الي ملامح مازلت اتمني ان اراها مره اخري ..إلا ان صديقتها البدينه حجبت عني هذا الوجه كما حٌجبت دنيا عني عندما جائني خبر زواجها بعد عام من هديتها الاخيره

ومر في رأسي عام اخر بعدها وانا انظر الي وجهي علي زجاج باب العربه وقد غطته لحيه كثيفه
ارتسمت علي وجهي ابتسامه ساخره وانا اخرج من جيبي هديتها الاخير.... مصحفا لأقرأ فيه..