كانت هذه هي المرة الأولي التي اسافر فيها للحرمين براً، ولم أكن اعلم اي تفاصيل سوي موعد التحرك من منزلي والذي تغير ثلاث
مرات الي أن استقر علي الواحدة بعد منتصف الليل ... حزمت حقائبي وسلمت علي اهلي ونزلت .
للليل سكون وسكينة تشعر بها إذا ابتعدت عن مخترعات القرن العشرين .. عندما يختفي هدير أجهزة التكييف وضوضاء التيليفزيونات وهواتف المحمول و صخب السيارات وحدة الأضواء الصناعية تجد هذا السكون ولانني اسكن في منطقة هادئة جدا ،بمجرد وصولي الي الشارع شعرت بهذا السكون وهذه السكينة الي حد بعيد و وجدتني ارتل " وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ " واجتاحتني هذه الكلمات علي شدة انطباقها عليّ الان " من كل فج عميق " ! لو انك حفرت خطا يمتد من شاطئ البحر الاحمرالمحاذي لمكة الي منزلي لكان فجاً طويلاً عميقاً ثم ها انا انوي قطعة براً رغم بعده ومشقته وغيري من بلاد ابعد كثيراً سيفعلون مثلي بلا تردد تلبية لأذان إبراهيم وبلاغ رب العلمين لأذانه ...
عجيب هو أمر هذا الدين وهذا الاستسلام ... انا .. ويا أسفاه ..قضيت ما يقرب من العشر سنوات من عمري اجادل في الملحدين والمشككين وخضت معهم في بحار المادية والمنطقية وكان أكبر ما اجده منهم هو رفضهم للاستسلام لله والانقياد له وقد الهبتني نارهم مع كرهي لها وتأثرت بها فمن لم يكتوي بالنار لم يسلم تلهبها ...ولكم تمنيت لو لم اخض غمار هذا البحر وبقيت سالماً علي شاطئ السلامة واموت علي ما ماتت عليه عجائز نيسابور كما يروي الفخر الرازي ، ولكن لعله البلاء المُذَكِر الحاض علي طلب الثبات حتي الموت .....
وصلت إلي مكان التجمع وتحركنا قبيل الفجر الي ميناء الغردقة بدلا من ميناء سفاجا الذي كان مخطط ان نتحرك منه ومر الطريق سريعا ربما لانني اعتدت عليه رغم طول المسافة واسرعنا بتأكيد حجز العبارة ثم مكثنا ننتظر موعد تحركها ... كان مكوثنا في الغردقة في انتظار العبارة خبر سعيد بالنسبة لي فأنا أعشق الغردقة وعشت فيها واحدة من أجمل سنوات عمري إن لم تكن اجملهم حيث سلامة النفس والعين والانف والاذن من ضجيج وسرعة وزحام ورائحة العاصمة القاهرة فأسرعت بتفقد الشوارع القريبة و النظر إلي البحر والذهاب الي حلقة السمك التي أحبها وزيارة بعض الأصدقاء والمكوث معهم حتي جاء موعد الركوب فأنطلقت الي الميناء وهناك كان لابد أن تودعك مصر بطريقتها فقام أحد الافاقين ببيع اوراق ادعي أنها مهمة ' الواحدة بخمسة جنية' ، ثم وقف اثنان آخران بيبعان تذاكر فئة ٢٥ جنية علمنا بعدها من ضابط الجوازات أنهم نصابين برتبة موظفين ... ثم بعد طوابير مرهقة ركبنا ولله الحمد والمنة...لم يسبق لي أن ركبت مثل هذه العبارة والتي اخبرونا انها "لنش سريع" وليست عبارة إلا انها من الداخل أوسع واكبر واشد هيبة من الطائرات اعجبتني كثيرا وانتويت أن أشتري واحدة عندما أصبح ملياردير اجوب بها البحار ثم اندهشت عندما اخبروني أن العبارة اضخم واكثر اتساعاً وان علي أن ادخر ملياراتي لعبارة وليس لنش !!!
علي ايةحال لم يدم تمتعي بالركوب سوي دقائق فقد كانت الساعة جاوزت منتصف الليل وكنت مجهدا جدا فغصت في نوم عميق لم استيقظ منة الا مع الوصول الي ميناء "ضبا" بالمملكة .
المملكة العربية السعودية .... هذا القطعة من جزيرة العرب التي اقتطعها أل سعود وحلفائهم من القبائل وباركتها بريطانيا في أعقاب الحرب العالمية الأولي في حفلة تمزيق الامبراطورية العثمانية ثم شاء الله أن يلبس اهلها الحٌلل ويسكنهم في الظٌلل بذهب اسودٍ ما خطر ببال أحدهم يوما أن يشتريه رجلاً بفلس ...فيال فضل الله كم نزل حتي فاض وكثر ،وسأل من بهم نزل اين شكر صاحبي؟! ... فكان الجواب كفران وكانت العاقبة خسران يأتي به بن سلمان ... علي ظهر خيله ورجله من شياطين الإنس يريدون غير وجه الله ..والحديث عن جزيرة العرب واهلها ذو شجون اُفرده يوماً وحده إن مد الله في عمري .
علي كلٍ فكما ودعتنا مصر بلصوصها الموظفين في ميناء الغردقة ... استقبلتنا الجزيرة بأجلاف ضباطها في ميناء ضبا ... ... وللانصاف كان ضابط أو اثنين هم من اساءوا المعاملة ومر الأمر بسلام حتي ركبنا حافلات مكة لنقطع طريقنا الطويل ... طريق الحج !
لبيك اللهم لبيك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق